عالم نحرير أوحد زمانه وواحد قُطره ،وشاعر مفلق مطبوع لا يلحق غُباره ولا تُدرك آثاره ،ومترسّل من امرآء الكلام
الشغف ،فمن روائع وبدائع تَبهر العقول ،ومحاسن تأخذ بمجامع القلوب ،إلى جزالة في الكلام وحسن في اللفظ وحلاوة في المذهب
،ودقة وعذوبة في المعنى وبراعة في التعبير وإحكام في السبك على صفاء في الرونق .هو بلبل المعاني لا يملّ تغريده والشاعر
الموهوب المديد النفَس الذي ابتكر البراعات المأثورة فما بلغ شأوه بالغ .يقصّد القصائد الطوال وقد تبلغ أبيات بعضها
الألفين والثلاثة أو تزيد ،وهو مع بواهر فواتحه
ونفائس خواتمه يجول في كل قصيدة جولة الفارس المغوار فيكل قارءه وهو لا يعتريه كلل .وكلما تعمق في الموضوع
الذي يعالجه كلما زاده بياناً عذباً ،وطلع عليك بألفاظ مستحدثة وتعابير رقيقة وأفانين مستملحة تذهب بالسأم والملل ،وتنبّه
الزهادة في الدنيا الغَرور وتمكن فيه حب التقى والعبادة ،ومهما تجافى جنبك عن الصلاح فإنه يعطفك إلى قرع باب الله
والبطولة والمبادئ الدينية القويمة التي كبتت المضلّلين .سقى الله عهداً أنجب جهابذة تُثنى بهم الأصابع وتُعقد عليهم
الجناصر ،كالمنبجي وبولس الرقي والتلي والمدلْلي وابن أفتونيا وسويريوس الانطاكي ،وإضرابهم من الثقات الإثبات
وأن الدهر بأمثالهم لضنين .فلذلك أحسنت البيعة السريانية بنعته بالملفان على سبيل الإطلاق وكنارة الروح الإلهي وقيثارة
البيعة الأرثدكسية وإكليل الملافنة وزينتهم وفخرهم .ولد مار يعقوب في قرية (كورتم )الواقعة على ضفة الفرات .وقيل
في بلدة (حَوْرا) من عمل مدينة (سروج)عام451 وتخرج في مدرسة الرها فأصاب من علومها اللغوية والفلسفية
واللاهوتية السهم الأوفى .وترهب وتنسك .وحين بلوغه من العمر الثانية والعشرين ارتجل قصيدته المشهورة في
مركبة حزقيال ،في محضر خمسة أساقفة اقترحوها عليه وهو مائل في بيعة بطنان سروج أو في رواية ضعيفة ،
في بيعة نصيبين فأقروا له بالشاعرية الممتازة وأجازوه واثقين أن الله سبحانه مازه بفضله وهو الوهّاب الكريم .واستمسك
من السيرة الفاضلة بحبل متين حتى تميز بالورع ،وسيم قسّاً ثم قُلد رتبة الزائر (البريودوط)لبلدة حورا .فطفق يطوف
على أديار بلاد الفرات وسورية المجوفة ناهضاً بعب ،مهمته ،حتى نزل من نفوس مئات بل آلاف من الرهبان أجمل منزلة
ثقة وأمانةً وتقىً وعلماً .وفي أواخر عمره سُقّف على أبرشية بطنان سروج عام 519 فأحسن القيام بأمر رعيته سنة واحد
عشر شهراً ومضى إلى جوار ربه في 29 من تشرين الثاني عام 521 وهو أخو سبعين فعيدت له البيعة .وبعد دهر
طويل نُقل بعض رفاته إلى هيكل خاص به في مدينة ديار بكر .
وآخرها في الجلجلة ،وحالت المنبة دون انجازها وكلها على البحر الاثني عشري الذي استنبطه وعرف بالسروجي
نسبة إليه .وهذه الميامر تتناول شرح أهمّ أحداث العهدين العتيق والجديد والبحث في الإيمان والفضائل والتوبة والبعث
وحمد الله على المائدة ،والموتى .وتقريظ العذراء والأنبياء والرسل والشهداء .وخصّ بالذكر القديسين بطرس وبولس
وتوما وأدّى ويوحنا المعمدان وكوريا وشامونا وحبيب ،وسرجيس وباخوس وأهل الكهف وجرجس وشهداء سبسطية
وأفرام وسمعان العمودي ،والبيعة السريانية تردد في الأصباح والأمساء طائفة من ميامره المختارة في تسبيح
على رقوق وإذا علمت أن الراهب بولس بيجان نشر مئتي ميمر في خمس مجلدات ضخمة قدّرت أن مجموعها يجيء
في تسعة عشر مجلداً .وكان قد اختير منها زهاء سبعة وسبعين قصيدة ضمت إلى مجموعة الخطب السنوية في مصحف
وجدته في باسبرينة مخالفاً المجاميع المألوفة .وقرأنا له مداريش بوزن ((اللهم يا من نزل على طورسينا ))أولها في
القديسين وسوغيثين في الندامة ونسبت إليه بعض النسخ سوغيثاً فلسفياً على الأبجدية 22 بيتاً بلحن ((أسقني يا ربي من ينبوعك))
وهو للرهاوي كما ارتأى منغانة ونظم أناشيد في آفات الجراد التي نكبت بها البلاد في ربيع سنة 500 أما مصنفاته
المنثورة فهي رسائل غاية في الحسن بديعة كلها ،بانشاء متين الحبك مُحكَم النسج متدامج الفِقَر عذب المشرب .
وصل إلينا ديوان يشتمل على المختار منها وعددها ثلاث وأربعون نُشرت عام 1937 في 316 صفحة عن ثلاثة
وهي تالية لرسالة أولها أنفذها إليه مرشداً وداعياً إلى الطريقة المثلى .ثم حرمه في مجمع ضمَّ بعض الأساقفة 2
:رسالة في الإيمان 3:إلى القس توما في الإيمان 4 :إلى أنطونينس أسقف حلب 5 :إلى القس يوحنا 6 :إلى رهبان
أرزون قلعة الفرس 7 :إلى رهبان طورسينا 8 :إلى مار حبيب رسالة السلام في القيامة 9:إلى يوليان رئيس
الشمامسة 10 :إلى اسطيفان المسجّل الشرعي في أعمال المسيح الخلاصية ،11 :إلى بولس الناسك (12 مخرومة)
13 :إلى لعازر رئيس دير مار باسوس ورهبانه في أعمال المسيح 14 :إلى رهبان مار باسوس رسالة توسّل
15:كتاب من رهبان مار باسوس إليه 16 :جواب إليهم 17 :رسالة ثالثة إليهم وهي درة يتيمة وحجة قاطعة على
اعتصامه بالمعتقد الأرثدكسي 18 :إلى المعترفين الحميريين في نجران 19 :إلى صموئيل رئيس دير مار اسحق
في جَبَلة ،في الإيمان 20 :إلى أهل الرها وفيها يذكّرهم بوعد المسيح لابجر 21 :إلى رؤساء الأديار انطيوخس
وشمعون وصموئيل ويوحنا وسرجيس وأغناطيوس في ميلاد الرب وصلبه 22 :إلى يعقوب رئيس دير النواويس
23 :إلى مارون ،جواب عن ست مسائل في مشكلات الكتاب العزيز كان عرضها عليه بلغة غير السريانية
وهي ست وثلاثون صفحة 24 :في قول ربنا :من قال كلمة في ابن البشر يُغفر له ومن يجدف على روح القدس
لا يُغفر له 25:إلى بعض أصدقائه 26 :إلى مارا أسقف آمد رسالة تعزية 27 :إلى دانيال الناسك في تخوفه من
خدمة الكهنوت 28 :في ندامة النفس 29 و30 :إلى بعض أصحابه 31 :إلى صديق له في السبت الكبير 32 :إلى
بولس مطران الرها في الآية :أحبوا أعداءَكم 33 :إلى أوطخيان أسقف دارا في الإيمان 34 :إلى سيمي يعزيه
بابنه 35 :إلى السيد بسا كونت (أمير)الرها في الإيمان 36 :إلى القومس (الأمير)قورا رأس الأطباء في تفسير الإيمان
الحق 37 إلى لأنطيا ومارية الزانيتين اللتين تابتا وعكفتا على النسك 38 :إلى متوحد كان يعاين خيالات شيطانية جهرا
ً 39 :إلى دانيال المتوحد 40 إلى بعض النساك 41 إلى صديقه شمعون 42 إلى رجل فقير يطلب خلاص نفسه في
مواعظ وذكر صاحب التاريخ المنسوب إلى يشوع العمودي (ص280 )إنه في أثناء الرعب الذي استحوذ على
الناس من حرب الفرس والروم سنة 503 اندفع أهل البلاد الواقعة في شرقي الفرات إلى المهاجرة ،فطفق المترجم
يكتب لهم الرسائل ناصحاً لهم بالملكوت في أوطانهم ،ومشجعاً إياهم على أمل النجاة بعناية الله سبحانه ،ولم يصل إلينا
منها سوى الرسالة العشرين التي أنفذها إلى أهل الرها .ووجدنا له إحدى عشرة خطبة لأعياد الميلاد والغطاس
والدخول إلى الهيكل ،والصيام الأربعيني والخميس السابق السعانين وأحد السعانين وجمعة الآلام واحد الفطير والقيامة
والأحد الجديد وبدؤها :إن فرحاً شديداً ملؤه الفطنة يستفزني اليوم إلى … وفي التوبة أولها :يجب علينا أن نحزن
لأن نسيج حياتنا قد قصر وهو يؤذن بالانقطاع من يوم إلى آخر وخطباً للعزاء ،وليتورجيتين للقداس ألَّف الأولى سنة
519 ومطلعها :اللهم يا خالق الجميع وفاطر كل ما يرى وما لا يرى وهي 24 صفحة والثانية :أيها الآله المبارك
اللطيف يا من اسمه منذ الأزل وفي خزانتنا نسخة بدؤها :أيها الاله الآب يا من أنت السلام الذي لا حدّ له ،وهي 21 صفحة
_وألَّف أيضاً صلاة السلام التي تتلى في قداس عيد الميلاد ،وبعض ترانيم منثورة للتناول (شوباحات)وطقساً للعماد
وسيرتي الناسكين دانيال الجلشي وحنينا قال ابن العبري أن ((له تفاسير ورسائل ومداريش وسوغيثات وإنه فسر
(مئات أوغريس الستمائة )إجابةً إلى طلب تلميذه جرجس أسقف العرب ))وبما أن هذا توفي عام 725 فأما أن يكون
التفسير ليعقوب الرهاوي ؛أو أن العبارة من زيادة بعض النساخ وهذا الكتاب مفقود ،وعام 1095 حبّر عالم عصره
سعيد ابن الصابوني مطران ملطيه ،قصيدة عصماء أبدع فيها في وصف مناقب الملفان المترجم وروائع مصنفاته فوفاه حقّه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق