ولد سنة 1759م فى مدينة كورسك من عائلة تقية تشتغل بالتجارة. وقد اعتراه منذ طفولته مرض خطير. وكان يرى
السيدة العذراء تتحدث معه أثناء مرضه وتعده بالشفاء، وكان يحس فى نفسه أنه مدعو إلى الحياة الرهبانية. ولما بلغ سن
العشرين تخلى عما ورثه من والده ووزع كل ما يملك على الفقراء وترك مدينته وهو لا يحمل معه إلا كيساً صغيراً وعصا.
وكان كنزه الثمين الوحيد صليباً من نحاس احتفظ به طوال حياته. وفى سنة 1779م دخل دير ساروف وعاش كمبتدئ إلى
سنة 1786م، وكان طائعاً لأبيه الروحى طاعة مطلقة. عمل أولاً فى فرن الدير ثم نجاراً ورغم انشغاله فى الأعمال
اليدوية لم يكل عن الصلاة وتلاوة الكتاب المقدس وكتابات الآباء القديسين؛ وكان اسم الرب يسوع لا يفارق
شفتيه. كان ميالاً إلى الصمت، قليل الكلام، يتجنب الاختلاط بالناس. وفى أوقات فراغه كان يذهب إلى الغابة المجاورة للدير
حيث يقضى وقته فى الصلاة ومع ميله للاعتزال لم يكن عبوساً مقطباً بل بشوشاً يشجع المحزونين إما بكلمة تخرج من فمه،
أو بابتسامة على شفتيه. وهذه البشاشة والطمأنينة التى كانت تبدو عليه لم تفارقه حتى فى وقت مرضه وأوجاعه. فقد أصيب
مرة بمرض مزمن استمر 3 سنوات لم يتذمر خلالها قط ولم يستشر طبيباً، وقد ظهرت له فى أثناء مرضه السيدة العذراء
واشتهرت هذه الفترة من حياته باشتراكه اشتراكاً روحياً فى الصلوات الكنسية. وحدث مرة أثناء خدمة الجمعة العظيمة
مقدسة" فأصبحت إحدى الزوايا "مدينة الناصرة" يترنم فيها بتحية الملاك للعذراء، وكان يتأمل فى إحدى المغائر القريبة
منه ويتصور ولادة المخلص فيها، ويلذ لـه تلاوة "العظة على الجبل" فوق هضبة قريبة. وكان لـه فى أحد جوانب
الغابة "جبل تابور" و"جثسيمانى" و "الجلجثة" حيث كان يجتهد أن يشترك فى آلام المسيح. وفى وحدته خضعت له
اضطرته أن يمشى مقوس الظهر معتمداً على العصى كشيخ مسن. وتسببت هذه الحادثة فى تركه مكان عزلته وعودته للدير،
انقطاع : "ارحمنى يارب أنا الخاطئ". وفى أثناء النهار كان يعلم من يأتيه من الزائرين ليطلب المشورة.
ومنذ سنة 1807م انقطع سيرافيم عن الكلام ولزم الصمت، وكان يجيب تلاميذه الروحيين الذين تألموا لهذا التصرف
انه يليق بنا أن نتكلم من أجل الله ، لكن الأكثر لياقة أن نطهر نفوسنا من أجله. وبقى فى حالة الصمت الكامل ثلاث سنوات حتى
سنة 1810م حيث رجع إلى الدير بأمر رئيسه نتيجة لدسائس بعض الرهبان. ومع هذا عاش حبيساً فى غرفة ضيقة داخل الدير،
والعلمانيين فى كل روسيا. وفى هذه الرؤيا خاطبته السيدة العذراء طالبة إليه أن يخرج نهائياً من عزلته ليخدم النفوس.
وفى هذه الفترة الأخيرة من حياته كان هو الأب الروحى والمرشد لألوف من الرهبان والراهبات والعلمانيين. وبدأت تظهر
ثمار الحياة الخفية التى لم تكن معروفة حتى ذاك الحين. فكان يقابل زائريه بتواضع وفرح قلب ومحبة شديدة. كان يسكب
نفسه كلها لكل واحد منهم ويعطيه الكلمة الخاصة التى تناسبه ولا تناسب غيره. وكان كل من يزور سيرافيم يشعر
بحقيقة وجود "ملكوت السموات".
العذراء المعروفة باسم "سيدة الحنان" وبيده شمعة مضيئة أخذ لهيبها يلتهم صفحات
الكتاب المقدس .
0 التعليقات:
إرسال تعليق